تعتبر اللغة في أي مجتمع من المجتمعات من أهم الروابط التي تربط بين أبناء الأمة الواحدة فهي وعاء للثقافة والفكر والمعرفة، ووسيلة للتخاطب والتفاهم، "العمل، البناء، الأدب، العلم والفن.." بل وأيضاً وسيلة للتواصل مع الثقافات الأخرى. وهي المعبر عن تراث الأمم وحضارتها. وتعد اللغة العربية أكبر اللغات السامية من حيث عدد المتحدثين بها، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، وهي لغة رسمية في الأمم المتحدة، كما أنها لغة الإسلام ولا تصح كثير من المناسك والعبادات دونها, وكما في الإسلام، فالعربية هي لغة طقسية رئيسة لدى عدد من الكنائس المسيحية في العالم العربي، كما كتبت بها الكثير من الأعمال الدينية والفكرية في العصور الوسطى. واللغة العربية مثل أي كائن حي يتعرض لموجات من التراجع والتأخر عن مواكبة العصر بسبب تقصير منا أو كنتيجة لعوامل أخرى، إلا أنها قابلة على الدوام للتجديد والتطوير من خلال اتخاذ الوسائل المتاحة، التي تناسب العصر، بحيث تكون قادرة على تأدية دورها الحضاري في العطاء والتواصل مع بقية الأمم والشعوب. ورغم ما تفرضه العولمة وأدوات التقنية المعاصرة من تحدٍ أمام اللغة العربية، حتى داخل المجتمعات الناطقة بها، فإنها توفر فرصاً يمكن، إذا أحسن استغلالها، أن تساهم في نشر اللغة العربية وتعزيز مكانتها على مستوى العالم، مثلها مثل أي لغة أخرى مطلوب منا اليوم تعلمها لضرورات الحياة وتطوراتها المتلاحقة.. وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر نستحضر مسار اللغة العربية بوطننا الإمارات وإلى أي مدى تم الاهتمام بلغة الضاد في بلد يتعايش وسط حدوده أزيد من 200 جنسية من مختلف بقاع العالم، وهل فعلا تسود لغتنا العربية وتحظى بمكانتها التي خصها الإسلام بها وتبنتها أعرق الحضارات، أم أنها ظلت حبيسة بعض المؤلفات وقاعات المدارس وصالونات الشعر فقط؟ وبهذا الصدد صرح الدكتور رضوان الدبسي، مدير تحرير مجلة العربية، الصادرة عن جمعية حماية اللغة العربية لجريدة الوطن بمطالبته بالمحافظة على مظاهر الاهتمام باللغة العربية، وتكريمها عبر عدد من الخطوات من بينها: تفعيل الندوات والمحاضرات، واشتراط معرفة اللغة العربية خاصة عند استقدام الخدم الذين يعيشون داخل بيوتنا العربية ويُؤَثِّرون على أطفالنا، وطالب أيضًا بتشكيل مجمع للغة العربية العربية بالإمارات أسوة بالمجامع الأخرى في القاهرة ودمشق* إن الحرص على إعادة اللغة العربية إلى سابق عهدها وإبراز رونقها وجمالها الذاتي، لا يعني إهمال تعلم اللغات الأخرى وإتقانها، كرافد من روافد العلم المعاصر والتعامل مع هذا العصر الذي تداخلت فيه اللغات والثقافات. لكن الأمر المهم هو ألا يكون إتقان اللغات الأخرى على حساب اللغة العربية، فاللغات العالمية، مهما تكن درجة إتقانها، لن تكون بديلاً عن اللغة الوطنية التي تعكس الهوية الأصيلة للإنسان. والمجتمعات التي تهمل لغتها غالباً ما تفقد القدرة على مواكبة الركب العالمي في التطور والحضارة، ولهذا تهتم الدول المختلفة بالمحافظة على لغتها وتطويرها بما يواكب متطلبات العصر. وفي هذا السياق يمكننا فهم حرص القيادة الإماراتية الرشيدة على تعزيز مكانة اللغة العربية كلغة معبرة عن هويتنا وثقافتنا وقيمنا وأصالتنا وجذورنا العربية الإسلامية، من خلال كلمات أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي- رعاه الله- بمناسبة إعلانه عن إطلاق حزمة من المبادرات الخاصة بميثاق اللغة العربية، تهدف إلى تنمية الانتماء للغة العربية، وتعزيز تناولها في مجالات الحياة كافة، وإبراز دورها في تقوية الهوية الوطنية والقومية، حيت قال سموه " : اللغة هي أداة الفكر..وهي وعاء الثقافة..وهي المعبرة عن قيمنا وأصالتنا وجذورنا العربية والإسلامية .. ولا بد لأبنائنا أن يرتبطوا بثقافتهم ومجتمعهم وقيمهم." تلى هذا الخطاب حزمة من المبادرات المهمة لسموه الهدف منها مواصلة السير في خطة الدولة ودأبها وعزمها المتواصل في أن تصل دولة الإمارات لأعلى المراتب، وتصف في مصاف أكثر الدول تقدمًا بحلول عام 2021، وذلك حسب
" رؤية 2021" التي أعلنها، والتي يرى من خلالها أن اللغة العربية تمثل تعبيرًا مباشرًا عن ثقافتنا
وقيمنا وإرثنا التاريخي المميز، ولخدمة هذا الهدف النبيل أطلق سموه عدة مبادرات، وأعلن عن تشكيل مجلس استشاري يرأسه وزير الثقافة، ويضم نخبة من العلماء والأكاديميين والمتخصصين في مجال اللغة العربية، للإشراف المباشر على تطبيق ورعاية كل الجهود المبذولة لتعزيز مكانة اللغة العربية, وتطوير وضعها بالتنسيق بين جميع الجهات الحكومية والخاصة على مستوى الدولة. كما شملت تلك المبادرات الدعوة إلى رعاية الطلبة المبدعين في اللغة العربية، وإطلاق كلية للترجمة، وإنشاء معهد لتعليم العربية لغير الناطقين بها، ووجّه سموه إلى ضرورة اعتماد اللغة العربية في التعاملات الحكومية الداخلية والخارجية وفي كافة الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور، وإعطاء الأولوية في المواد الإعلامية المعروضة على القنوات المحلية لدعم اللغة العربية، ووجه أيضًا إلى ضرورة توفير البيانات والمعلومات التي يحتاجها المستهلك باللغة العربية جنبًا إلى جنب مع اللغات الأخرى. وفي إطار المبادرات تم الإعلان عن جائزة محمد بن راشد للغة العربية التي تهدف إلى تشجيع الاسهامات الاستثنائية في خدمة اللغة العربية
وتكريم روادها، وإبراز التجارب الناجحة والمتميزة في نشرها وتعليمها, كما أعلن مجلس محمد بن راشد للسياسات عن مبادرة إلكترونية؛ لتعزيز المادة العربية على الشبكة المعلوماتية، ويشرف على هذه المبادرة كل من: صندوق، ونظم المعلومات التابع للهيئة العامة للاتصالات، وتهدف إلى تحسين وسائل النهوض باللغة العربية، ووضع برامج لتطويرها على شبكة المعلومات، بالتعاون مع المؤسسات والأفراد المختصين والمهتمين في هذا المجال. وتم الإعلان أيضًا عن تشكيل لجنة عربية دولية مكونة من خبراء متخصصين تهدف إلى إحياء اللغة العربية وجعلها لغةً للعلم والمعرفة، وتطوير أساليب تعليمها بشكل عصري؛ بما يعود بالفائدة على دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى كافة الدول العربية، تضم اللجنة أعضاء متخصصين من الأكاديميين والعلماء، والكتاب والتربويين, بالإضافة إلى خبراء عالميين بأساليب تعليم اللغات؛ وذلك بهدف تعليم اللغة العربية بشكل سليم. وكان وزراء الثقافة العرب قرروا في اجتماعهم في الدوحة بناء على طلب تقدمت به الإمارات، الاحتفال بيوم اللغة العربية في الأول من مارس من كل سنة، تحتفل به جميع البلدان العربية سنوياً، مع الاحتفاظ بالتاريخ الذي أعلنته الأمم المتحدة يوماً عالمياً للغة العربية وهو 18 ديسمبر من كل عام. يعتبر إنشاء جمعية حماية اللغة العربية في دولة الإمارات من أهم الإنجازات في مجال حماية اللغة العربية الفصحى، وحفظها من تنامى اختلاط المفردات العامية، ومن الأخطاء النحوية الشائعة التي تؤثر على قوتها وقدرتها على التعبير الدقيق وتضعفها أيضا. ويرى الإعلامي فؤاد زيدان، وهو عضو بارز في جمعية حماية اللغة العربية، أن افتتاح مقرات للجمعية من شأنه خدمة مصالح القضية السامية التي أسست من أجلها الجمعية، وتنشيط دورها






0 التعليقات:
إرسال تعليق